كلمة السلطنة أمام الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة
ألقى معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية كلمة السلطنة أمام الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يلي نصها:
معالي الرئيس عبدالله شاهد،
يطيب لنا أن نستهلَّ كلمتَنا بالإعراب لكم ولبلدِكم الصديق، جمهورية المالديف، عن تهانينا لانتخابكم رئيساً للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ونحن على ثقةٍ تامة بأنكم قادرون على إدارة هذه الدورة بجدارة وحنكة.
كما يسرنا أن نتقدمَ لسلفكم معالي فولكان بوزكير من جمهورية تركيا الصديقة بالتقدير على ما بذله من جهود أثناءَ فترةِ رئاسته للدورة السابقة.
ونودُّ أيضا أن نسجِّلَ تقديرَنا لجهود معالي الأمين العام أنطونيو جوتيرش، متمنين له كلَّ التوفيق والنجاح في ولايته الثانية، ومؤكدينَ استمرارَ سلطنة عُمان في التعاون معه ومع سائرِ الدولِ الأعضاء لتحقيق الغايات النبيلة للأمم المتحدة وفي مقدمتها حفظُ الأمنِ والسلمِ الدوليين.
معالي الرئيس
تُمثلُ الأزمات والتحديات فرصا للدول لاختبار جاهزيتها وتعزيزِ قدراتها. فبالرغم من التحديات الكبيرة والتغيُّراتِ التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” على أساليب حياتِنا اليومية، إلا أنها (بفضل الله) لم تُثنِ عزائِمَنا في مواجهتِها ومعالجةِ تداعياتِها والعملِ على التعافي من آثارِها.
ففي سلطنة عمان، كان لتوفُّر اللقاحات أثرٌ بالغٌ في تعزيز جهودِنا الوطنية للتصدي لهذه الجائحة، وتوطيدِ الأمل في القضاء عليها والعودةِ إلى الحياة الطبيعية بشكل تدريجي. لقد استطاعت بلادي، من خلال الإجراءات الوقائية وحملةِ التطعيمِ الوطنية لكافة الأعمار المستهدفة، الحدَّ من انتشار الوباء وخفض أعدادِ الإصابات والوفيات ونسبةِ التنويم في المستشفيات، مما مكّن من عودة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية لطبيعتها وفتحِ منافذِ التنقلِ والسفرِ بأنواعها مع وضع الإجراءات الوقائيةِ الضرورية.
وإننا إذ نواصلُ جهودَنا في التصدي لهذه الجائحة، فإننا ندعو المجتمعَ الدولي لتعزيز التعاون والتضامن في مواجهتها، ونُناشدُ الدولَ المنتجة للِقاحات والدولَ المانحة لبذل قصارى جهدِها من أجل ضمان التوزيع العادل للِقاحات لكافة الدول والأفراد، لاسيما في المناطق الأقلَّ نمواً، والتي تُعاني من محدودية المرافق والقدراتِ الطبية، تحقيقا للتعاون الدولي والتكافلِ المجتمعي وضمانِ الحياةِ الكريمةِ للإنسانِ أينما كان.
ونغتنمُ هذه الفُرصة، لنُقدمَ تحيةَ تقديرٍ وإكبار إلى القائمين على النُظمِ الصِّحية، سِيّما خط الدفاعِ الأول، في جميع دول المعمورة وفي المنظماتِ الدولية على الجهود الجَبّارة والتضحياتِ الجسام التي يقدمونَها من أجلِ البشريةِ جمعاء.
معالي الرئيس
في ظل القيادةِ الحكيمة لحضرة صاحبِ الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، تواصلُ سلطنةُ عُمان الالتزامَ بالثوابتِ الأساسيةِ والمبادئ الرئيسية لسياستِها الخارجية والتي تتجسّدُ في سياسة حُسنِ الجوار، وعدمِ التدخلِ في الشؤون الداخلية للغير، واحترامِ القوانينِ والأعراف الدولية، ودعمِ التعاونِ بين الدول وتعزيزِ فرصِ الحوارِ فيما بينها، تعبيراً عن قناعتِنا بأنَّ حلَّ الخلافاتِ بروح الوفاقِ والتسامح إنّما هو سلوكٌ حضاريٌ يؤدي إلى نتائجَ أفضلَ وأدوم مما يمكنُ تحقيقُهُ عن طريق الصراع. فلغةُ اللسانِ أمضى من لغةِ السِنان.
إننا في سلطنة عُمان جزءٌ من هذا العالمِ المترابط، نتشاركُ مع شعوبه في المصالحِ والمصير، نُسَرُّ لما يَسُرّه ونأسى لما يضرُّه. ولذا نسعى بكل طاقتِنا وإمكاناتِنا للإسهام في خدمة قضايا السلام على كافة المستوياتِ الإقليمية والدولية، ملتزمين في مواقِفِنا بالصدق والموضوعيةِ والثباتِ على قيمِنا ومبادئِنا والنهجِ المتوازن والبنّاءِ في التعامل مع جميعِ القضايا.
ومن هذا المنطلق، أيّدت بلادي ورحبّت بالتطورات الإيجابية التي نتجت عن قمة العُلا التي انعقدت بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، ونجاحِ جهودِ المصالحة التي قادتها دولة الكويت الشقيقة.
كما نؤكدُ تأييدَنا لعدالة القضية الفلسطينية ومطالبِ الشعب الفلسطيني للاستقلال وإقامة دولته وعاصِمتُها القدسُ الشرقية، وَفقاً للقانون الدولي وقراراتِ مجلسِ الأمن ومبادرةِ السلامِ العربية.
أمّا على صعيد الأزمةِ اليمنية، فإن بلادي ماضيةٌ في مساعيها الدؤوبة والعملِ مـع الممـلكة العربية السـعودية الشقيقة والمبعوثين الأممي والأمريكي الخاصين باليمن والأطراف اليمنية المعنية، بهدف إنهاءِ الحرب من خلال تحقيقِ وقفٍ شاملٍ ودائمٍ لإطلاق النار من كافة الأطراف، واستئنافِ الجهودِ الإنسانية بشكل كامل، بُغيةَ توفير احتياجاتِ الأشقاءِ في اليمن وخاصةً الدواءَ والرعايةَ الصحية، والغذاءَ والوقود والإسكان. وإننا نضمُّ صوتَنا إلى كل من يؤمنُ بحتميةِ التوصلِ إلى تسويةٍ سياسيةٍ شاملة للأزمةِ القائمة، بما يُعيدُ إلى اليمن الشقيق أمنَهُ واستقرارَهُ، وعودةَ الحياة فيه إلى طبيعتِها، ويحفظُ أمنَ دولِ المنطقة ومصالِحِها.
كذلك نودُّ أن نُعرِبَ عن أملِنا في أن تؤدي محادثات فيينا حولَ البرنامجِ النووي الإيراني إلى نتائجَ تحقّقُ التوافقَ المرجو بين كافة الأطراف، لأننا نعتقدُ جازمين بأن ذلك سيكونُ في صالح المنطقة والعالم.
وقد تابعنا، أسوةً ببقيةِ دولِ العالم التطوراتِ الأخيرة في أفغانستان، ونودُّ هنا أن نُعربَ عن أملِنا في أن تعملَ كافةُ الأطرافِ الأفغانية على التصالح وتغليبِ المصالحِ العليا للشعب الأفغاني وتطلعاته في الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناءِ علاقاتٍ إيجابيةٍ مع دولِ الجوارِ الإقليمي والمجتمعِ الدولي.
معالي الرئيس
تُدينُ بلادي الإرهاب بكافّةِ أشكالِه وصوره، وتؤيدُ في نفس الوقت الجهودَ والاستراتيجياتِ الرامية إلى القضاء على هذه الآفةِ المؤرقة، التي تتنافى مع القيمِ والأخلاق الدينيةِ والإنسانية وتهددُ الأمنَ والاستقرار في العالم أجمع.
كما تدعو سلطنة عُمان إلى إنهاء التهديداتِ التي تواجُه التجارة البحرية الدولية وإلى الالتزامِ الكامل بالمعاهدات والاتفاقيات، والقانون الدولي، لضمان حرية الملاحة البحرية بما يؤمّنُ انسيابَ التجارة بين الدول، ويُعزز من فرص النموِ الاقتصادي. إننا نناشدُ الدولَ الأعضاء كافة، إلى الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها من خلال المعاهداتِ والاتفاقياتِ ذاتِ الصلةِ بنزع السلاح، وعلى وجه الخصوص تلك الاتفاقياتُ والمعاهداتُ التي تخُصُّ الأسلحة النووية وغيرها من أسلحةِ الدمار الشامل، ضمانا للاستقرار العالمي.
معالي الرئيس
سعت بلادي إلى ترجمةِ التزامِها الدولي في تحقيق أهدافِ التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، من خلال إدماجِ محاوِرِها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأهدافها الـ 17، في استراتيجيات السلطنة وخِططِها التنموية. كما أننا نعتبرُها مكوناً رئيسياً في رؤية عُمان 2040 وخِططها التنفيذية.
وإننا على درايةٍ تامة، بأن الطريقَ إلى التنمية المستدامة ما زال طويلاً ووعرا، وأن تحقيقَ الالتزاماتِ التي قطعناها على أنفسِنا مرهونٌ بقدرتنا على مواجهة التحديات، وهو ما يتطلبُ تعاوناً دولياً وإقليمياً مشتركاً. وفي هذا الإطار، فإننا ندرك أن الالتزامَ المتجدد بالعدالة الاجتماعية، يمثل الأساسَ الحقيقيَّ للعمل، على صعيد السياسة الوطنية والدولية. وإننا هنا نرحبُ وندعمُ برامجَ الاستثمار والتنوعِ الاقتصادي، والتي تأتي في سلم أولويات الخِطط التنموية في سلطنة عمان، بما يُسهِمُ في تعظيمِ وتعميمِ الفوائدِ والفرص لشركائنا والمجتمع.
إنّ بلادي كغيرها من بُلدان العالم، تولي اهتماماً كبيراً لمخاطر تغيّر المُناخ، التي تؤثر على النظم البيئيةِ والزراعية، والبنية الأساسيةِ والاقتصادية. ولمجابهة تغيّر المُناخ والحدِّ من آثاره السلبيةِ المتزايدة، نفّذت سلطنة عمان مشروع الاستراتيجية الوطنية للتكيّف مع تغيّر المُناخ والتخفيفِ من تأثيراته. وهذه الاستراتيجية تتضمنُ تقاريرَ عن التأثيرات المتوقعة على أهم قطاعات التنمية وإجراءات التكيّفِ المناسبة لها. وقد قدّمت بلادي مؤخرا التقريرَ الثاني للمساهمات المحددة على المستوى الوطني للتخفيف من الانبعاثات لغازات الاحتباس الحراري، كجزء من التزاماتها تجاه اتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن التغيّرِ المُناخي.
إنّ العالمَ يشهدُ تحولاتٍ جديدةً جرّاءَ التقدمِ العلمي والتكنولوجي، بما يدعونا مجدداً إلى التأكيد على أهمية تعزيز الشراكة العالمية في هذا المجال، لتعظيم الاستفادة من التقنيات المتطورة ومواكبتِها، ضمنَ أهدافِ التنميةِ المستدامة ومواجهةِ تحديات العصر وأهمُّها تلك التي تهددُ المُناخ.
معالي الرئيس
لا شك أن للمرأة دوراً عظيماً إلى جانب الرجل، في البناء لنسيج اجتماعي يضمنُ التربيةَ السليمة لشبابٍ عليهم تنعقدُ آمالُ الأمم. وتعلمون أن الشباب هم أملُ الحاضر وعمادُ المستقبلِ الذي تستندُ إليه الدول في تنميتها. لذا كان لا بد للحكومات أن تضعَ ضمنَ أولوياتها الاهتمامَ بالشباب، وتوفيرَ كلّ ما من شأنه النهوضُ بقدراتهم. إنني أؤكدُ على التزامِ بلادي بتمكينِ المرأةِ والشباب من اكتسابِ جميع القدراتِ والمعارفِ المتاحة للمشاركةِ الفاعلة في مسيرة البناء والنماء والإبداع والرخاء.
وختاماً معالي الرئيس، أمامَنا في المجتمع الدولي قضايا ملحة، ينبغي معالجتُها بتعاونٍ أممي للوصول إلى ما تتطلعُ إليه البشرية من استقرارٍ ووئامٍ وازدهار. ومن هنا نعتقد بأن ترسيخَ المفهومِ الحقيقيِ للشراكةِ والمصير المشترك بين سائرِ الشعوبِ والمجتمعات، هو الوسيلةُ المثلى لتحقيقِ تلك الآمال وتعظيمِ المكانةِ المرموقة التي ترنو الأممُ المتحدة إلى بلوغِها واستدامتها.
شكراً لكم على حُسن متابعتكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته