خطاب بدر البوسعيدي إلى الدورة الرابعة والخمسين بعد المائة لجامعة الدول العربية

9 سبتمبر 2020

بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على نبيّنا الهادي الأمين،
وعلى آله وصحبه أجمعين.

أصحاب السمو والمعالي الوزراء
معالي الأمين العام،
الأخوة والأخوات – الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

بادئ ذي بدءٍ يطيب لي أن أرحب بكم أطيب ترحيب في ختام أعمال الدورة “153” وافتتاح اجتماعات الدورة “154” لمجلس جامعة الدول العربية، كما أنه لمن دواعي سروري أن أنضمّ إلى هذه الكوكبة الرائدة اليوم، وأنا أتولّى مسؤولياتي الجديدة، متطلّعا إلى العمل والتعاون البنّاء معكم، مسهمًا بما فيه مصلحة شعوبنا الأبية.
ويسرني أن أقدم خالص الشكر والتقدير لمعالي الأخ أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية وموظفي الأمانة العامة ومندوبي الدول الدائمين على تعاونهم ودعمهم خلال فترة ترؤس السلطنة لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري.

لقد فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد ظروفا استثنائية علينا جميعا وعلى المستوى العالمي، وللأسف حالت دون عقد اجتماعات مباشرة بيننا خلال معظم فترة ترؤس السلطنة للدورة “153”، آملًا أن نتمكّنَ من استئناف اجتماعاتنا المباشرة بمجرد انجلاء الظروف الحالية، فليس لدي أدنى شك في أن الأمور ستعود إلى طبيعتها بصورة أو بأخرى بمشيئة الله، بيد أنه يتعيّنُ علينا، من ناحية أخرى، أن نتكيّف مع أساليبَ جديدةٍ للعملِ تناسبُ المستجداتِ الطارئةَ على حركة الحياة من حولنا.

زملائي الأعزاء
لقد عانت منطقة الشرق الأوسط كما هو معلوم – وما زالت تعاني – من عدم الاستقرار والصراع، فأُريقت جراءَ ذلك دماءٌ كثيرةٌ، وأُهدرت مواردُ ضخمةٌ، وضاعت فرصٌ عديدةٌ جدا.

وهنا في هذا الإطار طالما يراود الأذهانَ السؤالُ التالي:
ما شكلُ المستقبل الذي نريده لأبنائنا وأجيال المستقبل؟ وما شكلُ العالم الذي نريد أن نُوَرّثهم إياه؟

إنّ الإجابة عن هذا السؤال تستدعي الحاجة الماسة إلى الحوار الهادف الجاد بيننا أولا؛ سعيًا إلى إيجاد حلول خلّاقة وسلمية للقضايا التي تؤرقنا والتحديات التي تهددنا، فنحن مَدينون بهذا للشعوب العربية، كما أننا مدينون به للأجيال القادمة.

فأرجو أن نكثّف العمل والجهد معًا على طريق المصالحة والعدالة والأمل في تحقيق تطلعات شعوب دولنا، ولنقل بقلبٍ ولسانٍ واحدٍ: لا للعنف ، ولا لاستخدام القوة ، ولا لفرض الرأي.

إنّ هدفنا المشترك هو تحقيق التوافق في الآراء؛ لأن هذا هو النهج الذي يمكن أن يحقق الاستقرار والنمو لعالمنا المعاصر.

فإذا أصبح ذلك نهجًا ثابتًا لنا فسنخرج جميعا فائزين بعون الله ومن خلال التوصل إلى حلولٍ وسطيةٍ دون إقصاءٍ لأحد، نعزّزْ الثقة المتبادلة والاحترام والإخلاص بيننا جميعًا.

أصحاب السمو والمعالي، الأخوة والأخوات
إن سلطنة عمان، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، تؤمن إيمانًا راسخًا بدعم جهود ومبادرات السلام في المنطقة، ومن هذا المنطلق، فإن بلادي تواصل دعمها الثابت للتطلعات والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، بل حقهم الإنساني في تقرير المصير، وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
فلا يمكن تحقيق سلام شامل وعادل ودائم بين الدول العربية وإسرائيل، بدون حل الدولتين المبني على مبدأ الأرض مقابل السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

إننا في الوقت الذي نحترم فيه حق الدول السيادي في اتخاذ ما تراه مناسبا لتحقيق مصالحها، فإننا نسترشد بمبادرة السلام العربية ونتمسك بها إطارًا مرجعيًّا لتحقيق السلام المنشود، القائم على أساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

الأخوة والأخوات
أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعبّرَ عن التضامن مع جمهورية السودان لتجاوز محنته إثر السيول والفيضانات التي اجتاحت عدد من الولايات وما نتج عنها من أضرار جسيمة وخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وأن نعرب عن صادق تعازينا ومواساتنا لحكومة وشعب جمهورية السودان ولأسر الضحايا، سائلاً الله تعالى الرحمة للمتوفين والشفاء العاجل للمصابين.

إننا نعرب عن دعمِنا للجمهورية اللبنانية، وندعو المجتمع الدولي إلى مساعدتها في جهود إعادة الإعمار، وفي تجاوز آثار الانفجار المأساوي المدمّر الذي وقع في مرفأ بيروت.

وفي الشأن الليبي، ترحب سلطنة عمان بإعلان الرئيس فايز السراج وعقيلة صالح عن اتفاق الوقف الفوري لإطلاق النار، وإنهاء جميع العمليات العسكرية، والعمل على وضع آليات وترتيبات استئناف عمليات إنتاج النفط وتصديره بشكل شامل، وإدارة الإيرادات النفطية لصالح الشعب الليبي، فضلا عن الإعلان بطي صفحة الصراع والانقسام، والشروع الفعلي في عملية سلمية تضمن التوصل إلى تسوية شاملة للصراع الليبي. وترحب حكومة السلطنة بالجهود والمساعي الحثيثة التي ترعاها حكومة المملكة المغربية لاستضافه كافة الفصائل الليبية من أجل تحقيق المصالحة ووقف إطلاق النار، وطي الخلافات والصراعات لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لهذا البلد العربي الشقيق.

كما تعرب السلطنة عن ترحيبها باتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى بين حكومة جمهورية السودان وعدد من الفصائل المسلحة برعاية مقدرة من حكومة جنوب السودان، وتأمل في أن يسهم هذا الاتفاق في تحقيق السلام والاستقرار في السودان، ويحقق تطلعات وآمال الشعب السوداني الشقيق.

وفي الشأن اليمني، ندعو الجميع إلى تقديم كل دعم ممكن لجهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، وبما يساعد على جلب جميع الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات؛ يقينًا منّا بأن هذا هو السبيل الوحيد نحو بناء يمنٍ مستقر، يعيش شعبه في سلام مع مختلف مكوَناته، وينعم بعلاقات إيجابية مع الجميع.

وفي الختام، يطيب لي أن أهنّئَ دولة فلسطين وأرحبَ بها في رئاسة هذه الدورة 154 لجامعة الدول العربية، ويسرني في هذا المقام الآن أن أدعوَ زميلَنا معالي الأخ رياض المالكي وزير الخارجية، إلى تولي رئاسة اجتماعنا هذا، وإنني على ثقةٍ في أنّ خِبرَتَه وحِنكَتَه السياسية والدبلوماسية سوف تُكلّل هذه الدورةَ بالنجاح والفلاح.

أسأل المولى جلّت قدرته أن يُعينَنَا إلى القيام بعملٍ يضمن لشعوب المنطقة السلام والاستقرار والنماء والازدهار، وأشكر لكم حسن متابعتكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته