حوار صحفي لمعالي السيد وزير الخارجية مع مجلة الأهرام العربي المصرية
أجرى معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية حواراً مع مجلة الأهرام العربي المصرية أجراه رئيس التحرير الكاتب الصحفي جمال الكشكي نشرته في عددها الأسبوعي، فيما يلي نصه:
1- معالي الوزير…. تتسم الدبلوماسية العمانية بقدرتها على التواصل مع الجميع سواء في المنطقة أو خارجها… كيف يمكن جني ثمار هذه الرؤية والفلسفة التي تتميز بها دبلوماسية سلطنة عمان ؟
إذا كانت الدبلوماسية تهدف إلى إيجاد الحلول بالطرق السلمية فإن أهم طريق سلمي علينا أن نسلكه هو طريق الحوار الذي يمكن أن يستفيد منه الجميع. لذلك علينا أن نتمسك بهذا المسلك تماما لتحقيق التفاهم والحلول التي تجمع ولا تفرق بين الاطراف المختلفة. هذا مبدأ تعتنقه الدبلوماسية العمانية وتعمل به على الدوام في إطار العلاقات الخارجية ومن أجل ضمان استمرارية وصون السلام والوئام.
كما أن سلطنة عُمان تؤمن بانتهاج سياسة حسن الجوار بكل ما تعنيه هذه العبارة جملة وتفصيلا.
لنأخذ قضيتين حاليتين في هذا السياق: أولاهما مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا. فالتوصل إلى نتيجة إيجابية لهذا الملف -عبر الحوار- سيمثل مكسبا كبيرا للسلم والأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. سيستفيد الجميع ولن يكون هناك خاسرون. أما القضية الثانية فهي اليمن. إن المعاناة الإنسانية في هذا البلد العربي والجار الشقيق هائلة والخسائر فادحة، وكل يمني سوف يستفيد إذا أفضى وقف إطلاق النار الحالي إلى سلام دائم.
2- معالي الوزير…. توصف العلاقات المصرية العمانية بأنها نموذج للعلاقات العربية…. كيف يمكن البناء على تلك العلاقات الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين ؟
يسعدني أن أسمع منكم هذا الوصف الإيجابي جدا للعلاقات العمانية المصرية، وأتفق معكم تماما في ذلك. ولا ريب أن البناء على هذه العلاقات السياسية المتينة يتطلب منا جميعا الدفع بالتعاون بين البلدين في كافة القطاعات الحيوية الاقتصادية منها والثقافية وغيرها. وفي ضوء زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة إلى سلطنة عمان والمحادثات الإيجابية جدا والمثمرة التي تمت مع أخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، فإن المرحلة القادمة سوف تشهد مبادرات ومشاريع تهدف إلى تنمية مزيد من فرص التجارة والاستثمار بين البلدين ومختلف مجالات التعاون والشراكة.
3- معالي الوزير… العلاقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وجلالة السلطان هيثم بن طارق تشكل رافعة قوية ليس فقط للعلاقات المصرية العمانية بل للعلاقات العربية… كيف يمكن تنظر لهذه العلاقة المتميزة بين الزعيمين الكبيرين ؟
تتمتع جمهورية مصر العربية وسلطنة عمان بهويتين تعودان إلى آلاف السنين، فجذورنا عميقة وهذا شيء مهم جدا يشترك فيه البلدان. وفي العصر الحديث، نشأت علاقة أخوية حميمة وعميقة بين السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- والرئيس الراحل محمد أنور السادات. وهذه العلاقة وضعت إطارا استراتيجيا بعيد المدى للتعاون بين البلدين. بالتالي فنحن ماضون في البناء على هذا الأساس القوي في ظل رعاية وتوجيهات قيادتي البلدين. إن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله يرى في فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أخا وصديقا وشريكا قويا ليس على المستوى الثنائي فحسب، وإنما أيضا في الإطار العربي الأوسع والدولي.
4- معالي الوزير.. تتمتع مصر وسلطنة عمان بإمكانيات اقتصادية وبشرية كبيرة.. كيف يمكن تعظيم التعاون الاقتصادي بين القاهرة ومسقط؟
عندما يأتي أشقاؤنا المصريون إلى سلطنة عمان، فإنهم يأتون كأصدقاء وأخوة أعزاء يحظون بكل الاحترام والترحاب. هناك الكثير الذي يمكن أن نكسبه من هذا التفاعل الإيجابي على مستوى التواصل بين الأفراد. لذلك نقول للقطاع الخاص وأصحاب الأعمال في مصر مرحبا بكم في سلطنة عمان، ومرحبا بالشراكة معكم لتطوير مشاريع جديدة وتعزيز التجارة بيننا وتحقيق المكاسب التي تعود بالمنفعة المتنامية والمستدامة على الجانبين بإذن الله.
5- معالي الوزير… ما هي أجندة سلطنة عمان في قمة التغير المناخي التي تستضيفها شرم الشيخ في نوفمبر القادم ؟
نأمل أن تساهم سلطنة عمان مع المجتمع الدولي في تعزيز الالتزام نحو الوصول بانبعاثات الكربون إلى الصفر. نحن متفائلون بما تتمتع به كل من سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية من مستقبل واعد في مجال الطاقة النظيفة والخضراء، ولدى البلدين إمكانيات كبيرة في ثلاثة عوامل رئيسية، ألا وهي الأرض وأشعة الشمس والرياح وقربهما من ممرات الشحن الرئيسية. وأعتقد أن هذه الإمكانات الهائلة ستكون عاملا مهما للغاية في المستقبل الاقتصادي لكلا البلدين.
وأعتقد أنه مع رئاسة مصر لقمة المناخ في شرم الشيخ، فإن المجتمع الدولي سيعلن عن المزيد من الالتزامات لتسريع جهود القطاعات العلمية لمواجهة التحديات التقنية المتبقية مما سيشجع المزيد من الاستفادة من الإمكانات الكاملة للهيدروجين الأخضر.
6- معالي الوزير…. ينظر الخبراء السياسيون إلى مجلس التعاون الخليجي باعتباره من أنجح التجارب الوحدوية فى المنطقة العربية… كيف يمكن تعظيم العائد من هذا النجاح خليجياً وعربياً ؟
ينبغي علينا مواصلة العمل الجماعي والاستفادة من التجارب الناجحة لنا، والتركيز على التعاون الاقتصادي وتطوير البنى الأساسية المشتركة لتعزيز الترابط بين جميع الدول العربية مثل الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب وكذلك تعزيز التجارة البينية والاستثمار. نحن نشترك في علاقات عميقة جدا على المستوى الثقافي والاجتماعي، وفوق كل هذا وذاك، نحن جميعا عرب وهذا في حد ذاته يمثل أساسا مهما لأمن شعوبنا وتعاونها ورفاهيتها. وليس هناك أدنى شك في أن التزامنا بالعمل العربي المشترك لن يتزعزع.
7- معالي الوزير… بعد نجاح تمديد الهدنة في اليمن .. ما هي رؤيتكم للحل الشامل… وهل تعتقد أن المقاربة الأممية التي يطرحها المبعوث الدولي باتت واقعية ؟
نعم نعتقد أن النهج الذي اقترحه مبعوث الأمم المتحدة لليمن جيد ونحن نؤيده تماما. وتتلخص رؤيتنا للسلام في اليمن في تشكيل حكومة وطنية شاملة تتمثل فيها جميع المصالح وأصحاب الشأن من أشقائنا اليمنيين. وخلاصة القول هي أن السلام في اليمن ومستقبله هو قرار استراتيجي يتخذه في الأساس اليمنيون أنفسهم، ولا يمكن فرضه من الخارج لأن هذا لن يجلب سلاما حقيقيا ولا سلاما دائما.
أما دورنا ودور المجتمع الدولي فهو دعم جميع الأطراف اليمنية وهم يتخذون الخطوات الصعبة والشجاعة ويقدمون التنازلات اللازمة لتحقيق السلام الذي يعكس تطلعاتهم المشتركة لمستقبل اليمن والمصالح العليا له.
8- معالي الوزير…. تمر المنطقة العربية بمتغيرات كبيرة تهدف الى تخفيف التوتر وإنهاء الصراعات … كيف تنظرون و تقيمون هذه المتغيرات ؟
نحن ننظر إلى هذه المتغيرات بشكل إيجابي. التغيير هو من سنن الحياة ولكن التحدي يكمن في قدرتنا على إدارة التغيير من الداخل وتوجيهه لخدمة مصالح دولنا وشعوبنا وعبر اقتناص أفضل الفرص التي تتولد من المتغيرات وكبح جماح العوائق أو السلبيات التي قد تبرز. وبالتالي لا شك أن التغيير يمكن أن يكون عملية صعبة لأنه يتطلب استحداث إجراءات تصحيحية واتخاذ قرارات حازمة تؤدي إلى تغيير في ثقافة التفكير وثقافة العمل والممارسات التي ربما كانت تشكل عقبات على مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي. على سبيل المثال، في سلطنة عمان، نحن ماضون في تطبيق الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم فيما يتعلق بترسيخ العدالة الاجتماعية، حيث تقوم الحكومة بإدخال العديد من الإصلاحات، في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وفي المجالات الاجتماعية المتنوعة، وهذا ينطوي في بعض الأحيان على مواجهة ممارسات متجذرة ومصالح أو عادات وأساليب بيروقراطية معيقة ولكنها وُجِدت منذ زمن طويل. لذلك تقوم الحكومة على اتخاذ وتطبيق قرارات وسياسات متدرجة ولكنها حازمة في تحقيق التغيير الإيجابي المنشود.
أما في العالم العربي ككل، فإن أجندة التحديث تُعد مكونا حيويا في بناء عالم أفضل لأجيالنا من الشباب وللأجيال القادمة.
9- معالي الوزير… سلطنة عمان كانت دائما داعمة للعمل العربي المشترك …كيف يمكن أن تحقيق تقارب عربي أكبر بين الدول العربية لمواجهة التحديات الراهنة والطارئة ؟
ينبغي علينا العمل من أجل تعزيز التعاون الجماعي بيننا وعلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وهذه مهمة يجب أن تكون ثابتة ومستدامة. وأعتقد على وجه الخصوص أنه من المفيد جدا أن نعمل على تعزيز مهارة الانصات والاستماع إلى هواجس بعضنا البعض، لاسيما شواغل أولئك الذين قد نختلف معهم بشأن بعض القضايا والتوجهات.
10- معالي الوزير… تعاني بعض الدول العربية من ارتدادات وتداعيات ما يسمى بالربيع العربي عام 2011 ، ما هي رؤيتكم لدعم تلك الدول حتى تصبح الدولة الوطنية العربية قوية وفاعله في محيطها وقادرة على مواجهة التدخلات الخارجية ؟
مما لا شك فيه أن الازدهار هو مفتاح النجاح في ذلك. فبالازدهار نستطيع تلبية تطلعات شبابنا. نحن نود أن نوفر المزيد من الوظائف والكثير من الفرص للشباب، لكي نضمن استدامة دورهم المحوري والبناء في التنمية.
إن التدخل الخارجي يكون سهلا ومتاحا عندما تكون الأوضاع الاقتصادية سيئة. وأنا أقول دائما لزملائي إن الاقتصاد هو القضية الأولى بالنسبة للأمن الوطني.
11- معالي الوزير… تلعب الدبلوماسية اليوم دوراً كبيراً في تأمين الغذاء والطاقة في ظل المشاكل في سلاسل الإمداد… ما هي رؤيتكم للتعاون العربي في هذا المجال… البعض مثلاً يقترح الشراء الموحد للقمح؟
ينبغي علينا أن نتعاون ونساعد بعضنا البعض قدر الإمكان. أنا شخصيا أرى أن الشراء الموحد للقمح قد لا يكون مفيدا بالضرورة حيث أنه قد يؤدي إلى ظهور عقبات بيروقراطية جديدة وقد يكون ضررها أكثر من نفعها. لكن، أرجو أن تطمئن لأننا نتواصل باستمرار مع الأصدقاء والجيران لتعزيز مصادرنا للأمن الغذائي وتقاسمها.
إن قضية القمح تحديدا تمثل مصدر قلق كبير، وأخشى أن يكون العام المقبل أكثر صعوبة من هذا العام. وأرى أنه من الآن فصاعدا من الضروري أن تتكاتف دول المنطقة في تأمين الأمن الغذائي وأمن الطاقة من خلال الاستثمار المشترك في مشاريع استراتيجية وذات استدامة وجدوى وفوائد اقتصادية متبادلة بين مختلف الدول العربية. وأعتقد من المفيد دعوة شركاء عالميين ضمن هذه المشاريع لأن ذلك سيجلب معه التقنيات المتطورة ومزيدا من فرص العمل والقدرات ونمو الشركات الصغيرة والمتوسطة على امتداد خطوط الإنتاج وسلاسل الإمداد والتوريد.
12- معالي الوزير… لم يصبح هناك مكان للحياد في عالم اليوم … ومن ليس معنا فهو علينا… هل تتفق مع هذه المقاربات لوصف الوضع الدولي الحالي؟
لا أتفق مع هذا الطرح. هناك بالتأكيد مكان حيوي للحياد في عالم اليوم وفي العقلية. كما أن مقولة “من ليس معنا فهو علينا” تعبير غير صحي وغير مفيد ويجب رفضه تماما. وأنا أقول هذا الكلام من منطلق سياسة عمان ذات المبادئ الثابتة. فنحن نؤمن ونمارس الحياد الإيجابي والبناء للصالح الجماعي. ومن واجبنا الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة لكي نتمكن من التواصل مع جميع الأطراف الذين قد يواجهون بعض المشاكل والصعوبات. كما أننا ندعم الأمم المتحدة وسيادة القانون الدولي بقوة، ونحترم سيادة جميع أعضائها ونحترم قراراتهم السيادية سواء اتفقنا مع هذه القرارات أم اختلفنا.
13- معالي الوزير… القضية الفلسطينية واحدة من أعقد القضايا العالمية… كيف يمكن أن نصل إلى حل شامل فيها في ظل أوضاع متغيرة دولياً وإقليمياً؟
لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن، بإيجاز شديد فإن الحل يكمن في مقايضة الأرض مقابل السلام، على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة اسرائيل، مما يعني تنفيذ قرارات مجلس الأمن والعودة إلى سيادة القانون. وينبغي الإشارة هنا إلى أن مبادرة السلام العربية مازالت مطروحة على الطاولة منذ عشرين عاما وهي مبادرة جيدة تحظى باحترام المجتمع الدولي والمراقبين باعتبارها مبادرة عادلة ونحن نؤيدها.
14- معالي الوزير… فشلت الدبلوماسية في منع الحرب الأوكرانية الروسية … هل تعتقد أن الدبلوماسية يمكن أن تحل هذه الأزمة التي يخشى البعض أن تتمدد ؟
كان هناك سوء تقدير من جميع الأطراف، لكننا نأمل بكل صدق أن تسود الدبلوماسية. فنحن لا نرغب في أن تطول هذه الحرب لما لها من آثار مدمّرة. ونحب هنا أن نشير إلى ملاحظات بعض المعلقين الحكماء حول الشؤون الدولية حيث قالوا إنه من الضروري التوصل إلى حل وسط. أحيانا تكون الحلول التوافقية عملا مؤلما، لكنها في أغلب الأحيان هي الخيار الذي يمثل الأقل ضررا في هذا العالم المضطرب.
هناك خطورة حقيقية من التصعيد، ولذلك ندعو جميع الأطراف إلى الحوار والتوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي.. مراعين في ذلك الجانب الإنساني، وكما هو معلوم فإن الإنسان هو الضحية في هذه الحرب وأمثالها.
15- معالي الوزير… كيف تنظرون للزيارة المرتقبة للرئيس الامريكي جو بايدن ؟
الولايات المتحدة دولة صديقة ومن الجيد أن نرى الرئيس جو بايدن في زيارة إلى المنطقة. ونأمل أن تكون لهذه الزيارة تأثير إيجابي ونتائج مثمرة على صعيد العلاقات العربية الأمريكية.